الخميس، 19 ديسمبر 2013

كشف المتواري - 03 -(حديث لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم)

كشف المتواري
من تعدي عدنان إبراهيم على صحيح البخاري
03
(حديث لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم)

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله أما بعد
فمما انتقده الأستاذ عدنان إبراهيم من أحاديث البخاري حديث: (لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم) وزعم أن هذا مخالف للحقائق العلمية...فاللحم كان يخنز دائما بسبب الميكروبات ...لا بسبب بني إسرائيل...ورد الحديث!
قلت:
كان الأولى في حق الأستاذ أن يجد له تأويلا حسنا عوض أن يسارعه إلى رده ...اغترارا بفهمه هذا...فقد حاول العلماء أن يفسروه. فقال الحافظ العراقي في طرح التثريب في شرح التقريب (ج7/ص63): (يحتمل أن التغير كان قديما قبل وجود بني إسرائيل, سببه ما علمه الله مما يحدث من بني إسرائيل بعد ذلك والله أعلم)
وظهر لي معنى آخر ,وهو أن تكون الألف واللام في اللحم للعهد الذهني, أي أن اللحم المذكور في الحديث هو لحم السلوى التي أنزلها عليهم, فلولا أنه وقع منهم ما يستوجب الغضب لبقي لحمها عندهم لا يخنز آية من آياته كما في قصة عزير: (وانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه)...أي أنه ينبغي النظر إلى الحديث من زاوية أخرى..وهي أن الحديث لا يدل على أن اللحم لم يكن يخنز قبل ..بل فيه الإشارة إلى أنه كان كذلك..وكان الله تعالى سيكرم بني إسرائيل بأن لا يخنز لحمهم وهو لحم السلوى..وهو لحم سماوي ...لكنهم وقعوا في شيء نهوا عنه أو تركوا فعل أمر طلب منهم فعاقبهم الله تعالى بحرمانهم من تلك الكرامة ولعلها قوله تعالى : (وأنزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) ..والله أعلم.
قلت: ظهر لي ذلك عندما قرأت قول ابن القيم رحمه الله في حادي الأرواح( ص31): (ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [ لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم] أي لم يتغير ولم ينتن, وقد أبقى سبحانه وتعالى في هذا العالم طعام العزير وشرابه مائة سنة لم يتغير )ولعله ثم توجيه أقوى والله أعلم..ولذلك لا يجوز المغامرة بتضعيف الحديث مع وجوده في البخاري قبل استيفاء الجهد في توجيهه التوجيه المناسب, فلعله يخفى المعنى فيتسرع أحدنا فيرده, ويكون توجيهه وراء ذلك ..فالله المستعان.
وليس قصدي من هذا الإقناع بتوجيه ما, إنما مرادي التأكيد على عدم الانتقال إلى الرد قبل إعطاء العقل حقه في محاولة توجيه الحديث...لأن المبادرة بالرد فيه نوع إساءة ظن بقوانين الرواية ...وليس فيه دليل على احترام العقل كما يحاول عدنان أن يوهمه الناس..فاحترام العقل يعني الثقة بالقوانين التي وضعها العلماء للرواية ..وهي قوانين أنتجها العقل مع الشرع...والثقة بالعقل في القدرة على فهم الحديث المشكل فهما مناسبا وهذا الذي يتبارى فيه العلماء العقلاء...!

كشف المتواري -02 - وقفة مع انتقاد عدنان إبراهيم لصحيح البخاري

كشف المتواري
من ظلم عدنان إبراهيم لصحيح البخاري
(02)
وقفة مع انتقاد عدنان إبراهيم لصحيح البخاري

بسم الله الرحمن الرحيم من المعلوم عند أئمة الإسلام أن للصحيحين مكانة لم يدانيهما فيها كتاب بشري من حيث أصحية أحاديثه ...وذلك لما يعرف لصاحبيهما من التقدم في هذا العلم وتخصصهما في تمييز المقبول من المردود من الأحاديث ..وقد تميز كتاباهما قتلقي العلماء المتخصصين لهما بالقبول والمواقفة على ما فيهما جملة سوى أحاديث انتقدها بعض المؤهلين من الأئمة الكبار كالدارقطني الذي انتقد في البخاري خاصة نحو 110 أحاديث . وقد تولى الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى أحد المحققين في علوم الحديث الدفاع عن البخاري في خصوص روايته لها في صحيحه. وزعم عدنان إبراهيم أن الحافظ تولى الإجابة عن 110 فقط مما انتقد على البخاري وكأنه ثم أحاديث أخرى انتقدت أو تستحق الانتقاد ..وهذا تدليس قبيح فالمائة والعشرة هي مجموع ما انتقد على البخاري لا بعضه ...قال الحافظ في هدي الساري (وعدة ما اجتمع لنا من ذلك مما في كتاب البخاري وإن شاركه مسلم في بعضه مائة وعشرة أحاديث ) وأحمد الله تعالى أنني دارست شيخنا المحدث الأصولي محمد محفوظ البحراوي حفظه الله تعالى الثلاثة والأربعين حديثا الأولى التي انتقدها الدارقطني مع إجابات الحافظ ابن حجر..قديما ...وبان لي حقيقة أمرها ..وظهر لي قصد المنتقد والمجيب من مباحثتها..وقست الباقي عليها...والحمد لله على التوفيق. وأنا أدعو من كان له علم وصبر أن يقرأ ما أجاب به الحافظ عن الأحاديث المائة وعشرة فإنه الأسد!! وزعم عدنان أن كثيرا من أهل العلماء انتقد ما فيهما أو ما في أحدهما سوى الدارقطني وسمى ابن عمار الشهيد...والجياني وذكر أن السبكي انتقد بعض ما في صحيح البخاري في آخر طبقات الشافعية وجملة ذلك في (10/120/الطناحي) ...ومن يراجع إحالته سيجد أن ما انتقده السبكي إنما هي لبعض الأسماء والنسب وذكر لبعض السقط لا غير ..ولم يتعرض السبكي لأي متن أو إسناد بتضعيف أو طعن..!! فأي تدليس هذا يا عدنان. وليس خلافنا مع عدنان إبراهيم في جواز انتقاد ما في الصحيحين...! بل خلافنا معه في عدم الانتباه لقيد مهم في هذا..وهو أن يكون من أهل الشأن والتخصص...في نقد الأسانيد..ونقد المتون...فليس لكل أحد الحق في ذلك..ولو كان أستاذا أو بروفيسورا في الفلسفة!!! . ولقد كنت أشرت إلى أن أهل الحديث أئمة متخصصون في نقد المتون دون النظر في الأسانيد...فهم أعلم الناس به..وأحرصهم على سلامة المتون من النكارة والاستحالة...خلاف ما يصفهم به سلف عدنان...وعدنان...تدليسا وتزويرا ...وقد كنت أشرت إلى كتاب ابن القيم رحمه الله (المنار المنيف) أو (نقد المنقول) وفيه يقول : () وقد جعل الخطيب البغدادي في كتابه الكفاية (2/550/دار الهدى) بابا سماه: (باب في وجوب اطراح المنكر والمستحيل من الأحاديث) وروى تحته أحاديث منها : (إذا سمعتم الحديث عني تعرفه قلوبكم وتلين له اشعاركم وأبشاركم وترون انه منكم قريب فأنا أولاكم به, وإذا سمعتم الحديث عني تنكره قلوبكم وتنفر منه أشعاركم وأبشاركم وترون انه منكم بعيد فانا أبعدكم منه).وقد صحح ابن كثير إسناده تارة وجوده تارة في التفسير, وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (732) . وقد ذهب الشافعية إلى أن كل حديث أوهم باطلا ولم يقبل التأويل فمكذوب عليه لعصمته أو نقص منه من جهة رواية ما يزيل الوهم الحاصل بالنقص منه...فاشترطوا شرطين...الأول أن يوهم الحديث باطلا..ويحتاج ذلك إلى إقامة الدليل وذكر المعارض..والثاني عدم وجود تأويل سائغ يخرجه من دائرة الاستنكار... وهذا بحر يتفاوت الناس فيه عوما وغوصا!!ومن تجاوز الجمع والتأويل إلى الترجيح لا يكون أبدا حجة على من وفق للجمع بالتأويل ولله الحمد...وانظر ما ذكره العلامة المناوي في فيض القدير (1/382) في شرح هذا الحديث. فليكف عنا هؤلاء رمينا بإغفال جانب نقد المتون...!
فتلك شكاة ظاهر عنك عارها.
ومن المخجل جدا أن تجد عدنان يعتذر لنفسه ويجتهد في التنقيب عن المسوغات..كنقله عن أحمد ابن الصديق الغماري - الذي يصفه بالحافظ ...ويطريه أيما إطراء ..- قوله في (المغير ص138): (الشهرة بالعدالة لا تفيد القطع في الواقع, ومنها أحاديث الصحيحين, فإن فيها ما هو مقطوع ببطلانه, فلا تغتر بذلك. ولا تتهيب الحكم عليه بالوضع لما يذكرونه من الإجماع على صحة ما فيهما, فإنها دعوى فارغة,(ركز عليها عدنان)لا تثبت عند البحث والتمحيص,فإن الإجماع على صحة جميع أحاديث الصحيحين غير معقول ولا واقع,ولتقرير ذلك موضع آخر). وقد انصاع عدنان لنصيحة الغماري بعدم التهيب من تضعيف بعض ما في الصحيحين بأريحية وغفلة ..ولم ينتبه إلى أن كلام الغماري لم يكن موجها لأمثاله...فالغماري يخاطب المشتغلين بعلوم الحديث..! ومثله نقله عن الشيخ الألباني في آداب الزفاف. ومع هذا ...فدعوى الغماري وجود الموضوع في صحيح البخاري دعوى متهافتة ...!! و لقد حاول عدنان أن يوهم الناس أنه إن كان العلماء قد انتقدوا جملة لا بأس بها من أحاديث الصحيحين فيجوز له أيضا ولمن يتابع دروسه وخطبه أن ينتقدوا..وهو قياس مع فارق حارق...وهو أن الذين انتقدوا يقال في أحدهم: (الحافظ) وفي بعضهم(الإمام) ..أما عدنان ..فلم أر أحدا وصفه بذلك!!! وما وقع فيه عدنان في هذا الموضع وغيره ...مِنْ نطحٍ للجبل ولمَّا يُقْرِن...يذكرني بما قاله ابن حجر العسقلاني في الفتح معقبا على خطأ وقع من الكرماني رحمه الله حين زعم في موصول للزهري بأنه مرسل : (من تكلم في غير فنه أتى بهذه العجائب)...فكيف لو رأى الحافظ أمثال عدنان الذي يزعم - استقلالا أو تبعا – في بعض المتفق عليه أنه مردود. ومن سذاجة منهج الأستاذ عدنان ..أو تمويهه المزين ..المائل المميل... أنه قعد لطريقته في نقد الأحاديث بمعارضتها للقرآن ..أو العقل وتأسيس مذهب الجرأة على الصحيح ..تحت مسمى الاستشكال...!!.. بما صح عن عائشة رضي الله عنها أنها استشكلت قول النبي صلى الله عليه وسلم (من نوقش الحساب عذب) وعرضا عليه قوله تعالى : (فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا) قال الحافظ: (في الحديث ما كان عند عائشة من الحرص على تفهم معاني الحديث ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يتضجر من المراجعة في العلم . وفيه جواز المناظرة ، ومقابلة السنة بالكتاب ، وتفاوت الناس في الحساب) قال طارق الحمودي: لاحظ قول الحافظ: (الحرص على تفهم معاني الحديث) لا الحرص على معارضة الحديث ومناقضته ولاحظ أيضا قوله : (ومقابلة السنة بالكتاب) لا معارضة السنة بالكتاب...فالمقابلة أعم من التعارض والتناقض..فالرجل يقابل المرأة..والجمع بينهما..واجب !!!!والمقصود من المقابلة هنا طلب بيان وجه الجمع بينهما ..لأنها تسمع من النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة..فلا يمكن أن يكون خطر ببالها حينها ...أن الحديث موضوع مردود!!!!!!!!!!!! ومع هذا تجده يزعم أنه على طريقة عائشة...عجيييييييييب!! والطريف أن البخاري أورده أول مرة في صحيحه في ( باب من سمع شيئا فلم يفهمه فراجع فيه حتى يعرفه)..لا باب من سمع شيئا فاستنكره فرده...ووجه مطابقة الحديث للترجمة أن الحديث ثَمَّ كان فيه: (كانت لا تسمع شيئا لا تعرفه إلا راجعت فيه حتى تعرفه)...فلاحظ أنها لم تجعل استشكالها موجبا لرد الحديث..بل ردت ذلك إلى سيد العلماء..وكذلك كان ينبغي أن يفعل عدنان ..وإلا سكت ...فلعل غيره حصَّل الجواب ...وذلك فضل الله يوتيه من يشاء..ومن علم حجة على من لا يعلم...فقاتل الله عدم الإنصاف! فينبغي الانتباه إلى أن استشكال النص لا يعني بطلانه كما قال المعلمي في الأنوار (223).وأما مشاغبة الأستاذ عدنان بكون البخاري ليس معصوما فدندنة تعرف من أخزم...فليس ثم أحد يقول ذلك..غاية ما في الأمر أن بعض العلماء زعم اتفاق العلماء على تلقي كتابيهما بالقبول..والقبول أعم من أن يكون بالتصحيح ..فلقد يكون أقل من ذلك فوق الضعيف..وهو المصطلح عليه بالحسن..وقد سلط عدنان جملة من خطبته على رد دعوى الإجماع...وذاك من باب لازم الفائدة..كقولنا : السماء فوقنا...فإن العلماء لم يدعوا الاتفاق على أن كل ما فيهما قد وصل من الصحة إلى منتهاها ..فقد خلف في ذلك ثلة من المتخصصين كما مر..ولذلك قال الحافظ ابن حجر في النزهة: (إلا أن هذا يختص بما لم ينتقده أحد من الحفاظ مما في الكتابين, وبما لم يقع التجاذب بين مدلوليه مما في الكتابين حيث لا ترجيح). ومن شاء معرفة طبيعة نقد العلماء لبعض ما في الصحيحين فليراجع بنفسه – إن كان مؤهلا - هدي الساري فإنه لخص أنواع ما انتقد في أجناس سبعة . ومن طريف مشاغبات الأستاذ عدنان أنه زعم بطلان الإجماع المدعى بون إخوانه الزيدية والإباضية والإمامية والمعتزلة أسلافه لم يفعلوا ...وهذا من المضحك المبكي..فمتى كان الزيدية والإباضية على معرفة بالصناعة الحديثية...اللهم إلا الهوى والتشهي! وذكر ايضا الجويني والباقلاني والغزالي...وهكذا تكو المشاغبة ..وإلا فلا...ومثله كمثل من يرد على دعوى إجماع الأطباء أن البعوض ناقل للمرض بمخالفة الفلكيين لهم في ذلك...!!! وأما احتجاجه بانتقاد الأئمة المتخصصين فهو حجة عليه لو تأمل...وتدبر...! فإنهم أولا ينتقدون بطريق الصناعة الحديثية...وثانيا : ما لم ينتقدوه....تجاوز القنطرة...! وعدنان ينتقد كثيرا مما أقروا بصحته...بغير طريقتهم! وتعجبني بالمناسبة كلمة رائعة للأستاذ الفيلسوف محمد أسد(ليوبولد فايس اليهودي النمساوي سابقا) في هذا يقول فيها: (إن المسارعة برد كل حديث يشكل علينا فهمه – إن كان صحيحا ثابتا- مجازفة لا يجترئ عليها الراسخون في العلم, إنهم يحسنون الظن بسلف الأمة,فإذا ثبت أنهم تلقوا حديثا بالقبول, ولم ينكره إمام معتبر, فلا بد أنهم لم يروا فيه مطعنا من شذوذ أو علة قادحة) وهذه كلمة رصينة ثمينة ينبغي موافقتها حرصا على السلامة...فإن الأمر دين. ومن عجائب عدنان في خطبته أنه زعم أنه ليس في الصحيحين ما هو أساس في ديننا..بحيث يلزم من ضعفه نقص فيه...فإن كان يقصد (في دينه هو) فلا يهمنا.أما إن كان يقصد الإطلاق فقد أساء وظلم...فهو يعرف أن ما في الصحيحين موجود خارجهما عند المصنفين في السنة من أصحاب الأربعة والمسانيد وغيرها ...! ومنها أحاديث في المعتقد في كتاب الإيمان وبدء الوحي والأنبياء والتوحيد وغيرها من الكتب ...رواها مسلم أيضا وأئمة السنن والمسانيد...وفيها من أبواب الأحكام الفقهية الشيء الكثير مما وافقه على تخريجها الأئمة الحفاظ الأجلة...فتنبه! أما الحديث الوحيد الذي انتقد الدارقطني متنه في صحيح البخاري - وقد وافقه عليه مسلم - حديث من طريق شعبة قال: أخبرنا عمرو بن دينار قال: سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب: ( إذا جاء أحدكم والإمام يخطب أو قد خرج فليصل ركعتين) وقد تصدى الحافظ بيان الصواب فيه في الهدي تحت رقم (15) وأنا ألخص ما أورده وأزيد عليه إن شاء الله تعالى انتقد الدارقطني شذوذ شعبة عن جماعة رووه عن عمرو عن جابر على حكاية قصة ولفظه : (دخل رجل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: أصليت؟. قال: لا. قال: قم فصل ركعتين) خلاف ما رواه شعبة باللفظ المذكور آنفا والحديث على حكاية القصة عند البخاري ومسلم أيضا!! والرد على الدارقطني أن شعبة توبع على ذكر اللفظ العام ووجه الجمع بين الروايتين سهل جدا..بأن يقال: كلاهما صح عن جابر بن عبد الله وأن عمرا سمع اللفظ العام من جابر ورواه عنه شعبة أما دليل رواية جابر للفظ العام فإن مسلما رحمه الله رواه عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر بن عبد الله قال: جاء سليك الغطفاني يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فجلس فقال له يا سليك قم فاركع ركعتين وتجوز فيهما ثم قال إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما. وقد توبع شعبة في ذلك عن عمرو عن جابر فرواه الدارقطني نفسه في سننه (2/15) عن سفيان بن عيينة وروح بن القاسم عن عمرو عن جابر بمثل رواية أبي سفيان عن جابر..بلفظ: (ثم أقبل على الناس بوجهه فقالنقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي فاصلا بين القصة وبين اللفظ العام فبان أن الحديث واحد..قطعه الرواة..والحمد لله على كل حال...وأن جابرا روى الجزأين... وكذلك عمرو عنه!!! والجميل في هذا أن الإمام مسلما رواه أولا بلفظ: (دخل رجل ..),ثم رواه من طريق شعبة باللفظ العام: (( إذا جاء أحدكم والإمام يخطب أو قد خرج فليصل ركعتين), ثم رواه بلفظ القصة لكن هذه المرة سمى الرجل سليكا الغطفاني ,ثم رواه بالجمع بين الروايات كلها ...القصة واللفظ العام...مع تسمية الرجل في ترتيب عجيب لطيف فلله دره ما أحسن تريتيبه ...! تكملة: زعم بعض الرافضة الشيعة الإمامية أنه لا يوثق بالبخاري لأنه خطاء في أسماء الرجال...واستدل على ذلك بأن أبا حاتم وأبا زرعة الرازيين انتقداه في أكثر من سبعمائة موضع من التاريخ الكبير في ما ألفه ابن أبي حاتم الرازي (بيان خطأ محمد بن إسماعيل البخاري في التاريخ الكبير)وهذه محاولة ناجحة لتعريف الناس بتراث البخاري رحمه الله خصوصا كتابه القيم (التاريخ الكبير) ..ومحاولة فاشلة للتشكيك في حذقه وإتقانه وتقدمه في علوم الحديث رواية ودراية. ولن أطيل بالرد على هذا إنما أحيل على مقدمة العلامة المعلمي على كتاب ابن أبي حاتم فهو من حققه , وهي مقدمة عجيبة قوية..ومن أحيل على مليء فليحل..لكنني سأحاول تلخيص جملة ما فيها باختصار شديد: جملة ما تعقبه الرازيان على البخاري: 1- ما الخطأ فيه من الناسخ في النسخة التي اعتمداها فقد راجع البخاري تاريخه مرتين بعد كتابته و نبه أبو حاتم نفسه على هذا في مواضع كثيرة يقول فيها: (هو غلط من الكاتب) ونبه الخطيب البغدادي على هذا فقال في موضح أوهام الجمع والتفريق (1/8) : (وقد حكي عنه في ذلك الكتاب أشياء هي مدونة في تاريخه على الصواب بخلاف الحكاية عنه) 2- ما هو من قبيل نسبة الراوي إلى جده وهو أمر شائع عند المحدثين 3- ما وجد في نسخ أخرى للتاريخ على الصواب. 4- ما كان فيه الخطأ ممن نقل البخاري عنه ..وفي الموضح للخطيب(1/15/تحقيق المعلمي) أنه قيل للبخاري (أنت تنظر في كتب الناس فإذا مر بك اسم لا تعرفه أخذته, والخطأ فيه من غيرك) 5- ما الصواب فيه مع البخاري وقد أجمل الخطيب غالب هذا - حين ذكر كتاب ابن أبي حاتم - في قوله كما في الموضح (1/8): (ونظرت فيه فوجدت كثيرا منها لا تلزمه)..وعلق العلامة المعلمي على هذا في الهامش بقوله: (وكثير مما أخذتَه أنت لا يلزم البخاري كما سأبينه إن شاء الله تعالى.) بل قال في مقدمته على الكتاب: (على أن كثيرا من القضايا التي ذكر الخطيب أن البخاري وهم فيها إنما جاء الوهم من نسخة الخطيب أو من غفلته عن اصطلاح البخاري أو إشارته) وراجع لزاما قصد الإنصاف المقدمة في فصل عنون له المعلمي بقوله : (مع الخطيب). والكلام في صحيح البخاري خاصة طويل الذيل...يكفيني منه ما ذكرته والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل

كشف المتواري -01 - ظلم عدنان لهمام ووهب ابني منبه

كشف المتواري
من ظلم عدنان إبراهيم لصحيح البخاري
01
ظلم عدنان لهمام ووهب ابني منبه

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله أما بعد
فمن الظلم الذي وقع فيه الأستاذ عدنان إبراهيم زعمه أن وهب بن منبه وأخاه همام بن منبه كان يهوديين وأسلما وهي مجازفة غير محمودة ..لكن عدنان ابتلي بها فما نعمل...فهمام وأخوه من رواة الصحيحين.
أما وهب بن منبه فقد سُبق عدنان إلى اتهامه بذلك ... وممن وصفه بأنه من مسلمة أهل الكتاب ابن خلدون في (ديوان المبتدأ والخبر/1/412/دار الفكر/المقدمة) وابن النديم في الفهرست (1/24) وأحمد أمين في فجر الإسلام (ص160) ولعل رشيد رضا يعتقد ذلك وإن لم يصرح, فإنه اتهمه بالتآمر مع قومه على الإسلام ... وليس لواحد منهم مستند علمي في ذلك...وقد استغرب المستشرق الفرنسي (Huart Marie.clement-1926م) من هذا فقال كما في(journal asiatique/عدد شتنبر-أكتوبر 1904-المجلد الرابع-المجموعة الثانية-ص331- مقال بعنوان:Wahb Ben Monabbih et la tradition Judei-chretienne au Yemen ): (لقد اعتقد ابن خلدون خطأ أن وهب بن منبه كان يهوديا مع العلم أن والده أسلم, وتعتبره الفهرست واحدا من أهل الكتاب الذين أسلموا,وهذا قد يقال في والده, ومع ذلك فلا يمكن تحديد ديانته بدقة).فالصواب أنه ولد في الإسلام هو وأخوه .. قال ياقوت الحموي في (إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب [معجم الأدباء] /ص2802): (صاحب القصص, كان من خيار التابعين ثقة, صدوقا كثير النقل من الكتب القديمة المعروفة بالإسرائيليات...مات وهو على قضاء صنعاء سنة أربع عشرة ومائة وقيل سنة عشر والأول أصح) .
وقال ذهبي عصره العلامة المعلمي رحمه الله في الأنوار الكاشفة (ص97/عالم الكتب) ملخصا ما ذكره العلماء فيه : (أما وهب بن منبه فولد في الإسلام سنة 34 هـ وأدرك بعض الصحابة, ولم يعرف أن أحدا منهم سمع منه أو حكى عنه, وإنما يحكي عنه من بعدهم)
وقد ذكر أيضا أنه كان قائما على بيت المال في اليمن لعمر بن عبد العزيز, فقد روى ابن الجوزي في سيرة عمر بن عبد العزيز (ص104و105/دار الكتب العلمية) وابن عساكر في تاريخ دمشق (63/380) عن يحيى بن حسان عن نعيم بن ميسرة النحوي عن عيينة بن غصن قال: كان وهب بن منبه على بيت مال اليمن, قال : فكتب إلى عمر بن عبد العزيز إني فقدت من بيت مال المسلمين دينارا فكتب إليه :إني لا أتهم دينك ولا أمانتك ولكن أتهم تضييعك وتفريطك.
ومما يشهد ببطلان الزعم بكونه يهوديا أسلم أن والده منبه بن كامل هو من أسلم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وصحب معاذ بن جبل ...ووهب ولد في زمن عثمان سنة أربع وثلاثين!! فهل مع هذا يقال إنه ولد يهوديا أو تهود ثم أسلم....؟؟!!عجيييييييب!
وقد وضعت في وهب بن منبه وروايته عن كتب أهل الكتاب أوضاع ورسائل ومقالات منها :
*1- مرويات وهب بن منبه في تفسير الطبري دراسة نقدية – إرشاد الحق بن الحاج عبد الله – جامعة العلوم الإسلامية الماليزية
* 2- مرويات وهب بن منبه ودوره في الإسرائيليات - علوي بن شهاب الدين
* 3- مرويات وهب بن منبه في الكتب الخمسة ومسندي أحمد والدارمي - جمع وتخريج ودراسة - علوي حامد محمد بن شهاب - ماجستير - جامعة آل البيت –الأردن
* 4- وهب بن منبه ومروياته في التفسير, جمع ودراسة وتحليل- علي شوقي حسن –ماجيستير-جامعة صدام للعلوم الإسلامية
*5- مقال في مجلة كلية الآداب العدد 96للدكتور طه جميل أحمد- جامعة بغداد- كلية الآداب - قسم التاريخ – بعنوان: (وهب بن منبه وأثره في التدوين التاريخي)
وكلها فيها ما يؤخذ ويرد لكن لي وقفتان مع ما سميت:
الأولى: قال أحمد أمين في فجر الإسلام (ص161): (وقد لاحظ بعض الباحثين أن بعض الثقات كابن قتيبة والنووي لا يروي عنه أبدا) وهذا مجازفة... فنظرة سريعة إلى عيون الأخبار وتأويل مختلف الحديث تفصح عن العكس فقد روى عنه من طريق عبد الرحمن بن عبد المنعم عن أبيه عنه ومن طريق أبي الحَكَم مَرْوان بن عبد الواحد عن موسى بن أبي درهمِ عنه محمد بن عُبَيد قال: حدّثنا خَلَف بن تَميم عن أبي عِصْمة الشاميّ عن ابن أخت وهب بن منبه..ويكفي هذا لبيان أنه ينبغي التثبت في إطلاقات من ليس من أهل الشأن!!
الثانية: استنكر الدكتور طه جميل أحمد محاولة الأستاذ علي شوقي إبطال كون أصل وهب يهوديا فقال: (وعلى الرغم من تلكم النصوص فإن الأستاذ علي شوقي يحاول في رسالته إثبات عدم يهودية عائلة وهب بن منبه وكأن اليهودية عار على من كان أو لا يزال يعتنقها أو أنها مرض عضال يخشى على الناس منها ). ويقصد بالنصوص ما ذكرته عن ابن خلدون والنديم في فهرسته...واستنكاره ذلك ليس في محله...فالقوم ومنهم الأستاذ عدنان إبراهيم ...يقصدون وصفه بأنه من مسلمة اليهود أن يصلوا إلى التشكيك في رواياتهم للحديث النبوي كما فعل رشيد رضا...وقد صرح باتهامه بالتلفيق والكذب طائفة منهم الدكتور عبد العزيز الدوري في (بحث في نشأة علم التاريخ عند العرب ص31/مركز زايد للتراث والتاريخ) والدكتور جواد علي في (مجلة المجمع العلمي العراقي/1/143) كما في (الإسرائيليات وأثرها في كتب التفسير/ص187) .
واتهاماتهم مبنية على سوء الظن وعدم التحقيق ..وأحيانا عن سوء نية وقصد...فكثير من المستنكر من رواياته يكون البلاء من رواة الخبر عنه..وربما كان في الإسناد إليه مجاهيل وكذابون... قال العلامة أحمد شاكر : (وبعض أهل عصرنا تكلم فيه عن جهل,ينكرون أنه يروي الغرائب عن الكتب القديمة وما في هذا بأس,إذ لم يكن دينا, ثم أنى لنا أن نوقن بصحة ما روي عنه من ذلك, وأنه هو الذي رواه وحدث به) , نقلا عن (الإسرائيليات وأثرها في كتب التفسير/ ص192)
والأقبح الذي صدر من عدنان أنه تجاوز وهب بن منبه إلى أخيه همام ...فإنه زعم أنه يهودي أسلم أيضا...ثم انسل إلى التشكيك في روايته لحديث الصورة..لأنه يرويه عن أبي هريرة وهو في الصحيحين,فقال: (نحن نرجح (على صورته) على صورة آدم يعني، يعني آدم لم يترقّ ولم يتطوّر في الخلقة، وإلا فإنّ الشبهة قائمة, بما أنّ همّام بن منبّه أصله يهودي -أيها الإخوة- وأسلم، الشبهة قائمة... يعني قد يحتمل أنه أراد على صورة الرحمن؛ لأنّ هذا مكتوب في التوراة (نخلق بشراً على صورتنا).!!!!
فإذا سمعه مجالسوه أو مناصره شكوت بعدُ في كل حديث يرويه وما هكذا يا سعد تورد الإبل!!!
وبيان الخطأ في هذا أن هماما لم يكن يهوديا فأسلم جزما , بل ولد في الإسلام مثل أخيه وهب...فإنني لم أجد أحدا وصفه بذلك..!
ثانيا: لم ينفرد همام برواية لفظ (صورته) عن أبي هريرة, بل تابعه عليه غيره, ولم ينفرد أبو هريرة أيضا باللفظ, بل له شواهد.. ذكر منها عدنان حديث أبي مسعود الأنصاري...! فلماذا التشكيك في نوايا همام بناء على تهمة فاسدة جائرة...فليتق الله عدنان...وليحذر المعجبون به ..فإن لنا موقفا بين يدي الله تعالى..!
وحسبي هذا.. فيظهر أنني أطلت كثيرا ..والله أعلا وأعلم.

طليعة كشف المتواري من تعدي عدنان إبراهيم على صحيح البخاري

طليعة كشف المتواري من تعدي عدنان إبراهيم على صحيح البخاري
سلسلة مقالات في الرد على عدنان إبراهيم فيما أثاره من شبهات حول صحيح البخاري

كتبها طارق الحمودي

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله أما بعد
فإن المتأمل الحاذق لما يثيره الأستاذ عدنان إبراهيم من استشكالات وشبه على صحيح البخاري وصحيح السنة على طريقة أهل الحديث سيجد نفسه أمام اجترار لما بثه سلفه من المعتزلة المتقدمين والمتأخرين الذين يقدمون عقولهم وفهمهم على التسليم لصحيح السنة ...لأن العقل الصريح لا يتناقض أبدا مع النقل الصحيح...إنما يرد التعارض ابتداء ..ويستصحبه هؤلاء لعدم قدرتهم على الجمع بين ما يظهر منه التعارض خلاف طريقة أهل الحديث..فالرد سهل ..والاستشكال للتشكيك يستطيعه كل أحد..أما إعمال العقل والفهم الدقيق لاكتشاف خبايا السنة وبيان موافقتها للقرآن والعقل فطريقة اختص بها أهل الحديث... أهل العلم والإيمان . فأمثال عدنان إبراهيم أعيتهم السنة أن يعوها ويفهموها فهما دقيقا...عميقا... فجنحوا إلى ردها بتضعيفها ...والحكم أحيانا بوضعها..سالكين منهج الاستهزاء بأهل الحديث والسخرية من طريقتهم في التسليم للسنة الصحيحة...على منهج الأئمة المحققين ولعله ينطبق على عدنان إبراهيم ما رواه الخطيب في الفقيه والمتفقه (1/من 453/دار ابن الجوزي) وأبو القاسم الأصفهاني في الحجة (1/205/دار الراية) وغيرهم – وهذا اللفظ عند الأصفهاني -عن عمر بن الخطاب قال: (أيها الناس , إن أصحاب الرأي أعداء السنن, أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها, وتفلتت منهم أن يعوها واستحيوا حين سئلوا أن يقولوا: لا ندري, فعاندوا السنن برأيهم فضلوا وأضلوا كثيرا) وألفاظ هذا الأثر مختلفة فلينظر في أصوله في ما ذكرت من مصادر. قال ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين عن رب العالمين (1/91/مكتبة ابن تيمية) : (أسانيد هذه الآثار عن عمر في غاية الصحة ) وراجع تخريجه في تحقيق الشيخ مشهور حسن سلمان للإعلام (1/102/دار ابن الجوزي) فقد صححه بمجموع طرقه. ومثله قول ابن مسعود رضي الله عنه : (يحدث قوم يقيسون الأمور بآرائهم فيهدم الإسلام) رواه البيهقي في السنن وانظر جملة طيبة من أمثال هذا عن الصحابة في نفس المرجع. وليس معنى ذم الرأي عند أهل الحديث إسقاط العقل وإلغاؤه كما يروجه أمثال عدنان..بل جعله في موضعه..وعدم المجاوزة به حده.وانظر مقالين كتبتهما في مكانة العقل عند أهل الحديث والسلفيين. أولهما (مكانة العقل ..في الفكر السلفي!) والثاني (مكانة العقل في فكر المدرسة السلفية في المباحث الكلامية).
وأمثال عدنان وقبله سلفه من المعتزلة الأوائل لبسوا لبوس المحامي عن هذا الدين...في وجه الملاحدة وأعداء الملة من كتابيين ووثنيين...لكنهم أساؤوا الترافع ..وأضروا من حيث أرادوا الإحسان...تحسينا للظن بهم..كما حصل لسلفه كالنظام والعلاف وغيرهما من المتكلمين الأوائل...فشأن أمثال هؤلاء المحامين الاستسلاميين رد الحديث كلما وجدوا أنفسهم في موقف المدافع الضعيف ..في زعمهم...ولهم في استسلامهم نظام خاص أحدثوه ..ليتفلتوا من الإحراج...! يقول العلامة عبد الرحمن المعلمي رحمه الله تعالى في (الأنوار الكاشفة/ص18/عالم الكتب): (أضر الناس على الإسلام والمسلمين هم المحامون الاستسلاميون، يطعن الأعداء في عقيدة من عقائد الإسلام أو حكم من أحكامه ونحو ذلك فلا يكون عند أولئك المحامين من الإيمان واليقين والعلم الراسخ بالدين والاستحقاق لعون الله وتأييده ما يثبتهم على الحق ويهديهم إلى دفع الشبهة، فيلجأون إلى الاستسلام بنظام، ونظام المتقدمين التحريف ونظام المتوسطين زعم أن النصوص النقلية لا تفيد اليقين والمطلوب في أصول الدين اليقين، فعزلوا كتاب الله وسنة رسوله عن أصول الدين، ونظام بعض العصريين التشذيب.) إن شغب هؤلاء قديم ...بدأه رؤوس المعتزلة الأوائل كالنظام والهذيل...وبيان تهافت شبههم قديم أيضا بقدمهم...يقول العلامة ابن قتيبة المتوفى سنة 376 هـ في كتابه الرائع (تأويل مختلف الحديث/ص20) : (وقد تدبرت رحمك الله مقالة أهل الكلام فوجدتهم يقولون على الله مالا يعلمون, ويفتنون الناس بما يأتون, ويبصرون القذى في عيون الناس وعيونهم تطرف على الأجذاع, ويتهمون غيرهم في النقل ولا يتهمون آراءهم في التأويل ومعاني الكتاب والحديث, وما أودعاه من لطائف الحكمة وغرائب اللغة لا يدرك بالطفرة والتولد والعرض والجوهر والكيفية والكمية والأينية, ولو ردوا المشكل منهما إلى أهل العلم بهما وضح لهم المنهج, واتسع لهم المخرج, ولكن يمنع من ذلك طلب الرياسة وحب الأتباع واعتقاد الإخوان بالمقالات, والناس أسراب طير يتبع بعضها بعضا). واعلم رحمك الله أنك لو تدبرت كلام ابن قتيبة..ثم لاحظت صنيع عدنان إبراهيم في كثير من مثالاته لرأيت أن مثله المقصود بالكلام. ولعل من أقبح ما يلاحظ على الأستاذ عدنان إبراهيم كثرة استهزائه وسخريته من مخالفيه جملة...فإن هذا صنيع من لا يعرف قدر أهل الحديث...فقد قال الخطيب البغدادي في (شرف أصحاب الحديث) : (من كادهم قسمه الله, ومن عاندهم خذله الله, لا يضرهم من خذلهم , ولا يفلح من اعتزلهم, المحتاط لدينه إلى إرشادهم فقير, وبصر الناظر بالسوء إليهم حسير, وإن الله على نصرهم لقدير) ومما يعاب على عدنان توريط العوام في علوم الحديث في نقد أحاديث الصحيحن ثم غيرها ..بعد أن ورط نفسه فلا هو ولا من يجالسه ممن يحسنون هذه الصناعة إلا لمما...وصدق الإمام أبو داود في رسالته إلى أهل مكة حين قال: (ضرر على العامة أن يكشف لهم كل ما كان من هذا الباب فيما مضى من عيوب الحديث , لأن علم العامة يقصر عن مثل هذا) قال العلامة ابن رجب في شرح العلل : وهذا كما قال أبو داود فإن العامة تقصر أفهامهم عن مثل ذلك, وربما ساء ظنهم بالحديث جملة إذا سمعوا ذلك وقد تسلط كثير ممن يطعن في أهل الحديث عليهم بذكر شيء من هذه العلل, وكان مقصوده بذلك الطعن في الحديث جملة,والتشكيك فيه ) قلت: وهذا الذي حصل فافتتن من أعجب بعدنان وساء ظن كثير منهم بالحديث ...وأهله...وصاروا يشككون في كثير من الأحاديث..وسقطت هيبته في قلوبهم . وقد شاغب الأستاذ عدناد مرارا بدعوى مخالفة الحديث للقرآن ...وهو نوع من التمويه ..فإن التعارض حاصل بين فهمه هو للقرآن وفهمه هو للحديث...ولا يلزم منه كون التعارض بين القرآن والحديث...فتنبه.فليس في دعاواه تلك حجة ملزمة..فلإن علم شيئا فقد غابت عنه أشياء...فالأفهام متفاوتة...ولا يجوز التسرع في متابعة عدنان ...ولابد من التثبت. وينبغي لعدنان وأمثاله وأضرابه..وأتباعه ومقلديه أن يعلم- إن كان أهلا لأن يقلد ويتبع..فهو سحابة صيف عن قليل تقشع..- أنه بهذا قد صنف نفسه ..وأوضح مقالاته...فعرفنا قصده ووجهته..ومورده ومصدره...و قد أخطأ كثير من الذين تصدوا للرد عليه..فزعموا تارة أنه زيدي..وتارة أنه رافضي..لكن الرجل من هذا وذاك على مرمى حجر..لكنه ليس كذلك...فالرجل قد عرف حاله, وبان مقداره..وهو إلى مدرسة أهل الرأي المعتزلة أقرب..وإن زعم في بعض خطبه أنه أشعري ويتشرف بذلك..فالرجل من أفراخ الاعتزال...له سلف معروفون...غره عقله كما اغتر منظروا مدرسته...فماذا كان.؟ وتأمل كلام الشاطبي رحمه الله تعالى حين وصفهم في الاعتصام (ص168/دار الكتب العلمية) بـ(ردهم للأحاديث التى جرت غير موافقة لأغراضهم ومذاهبهم ويدعون أنها مخالفة للمعقول وغير جارية على مقتضى الدليل فيجب ردها كالمنكرين لعذاب القبر والصراط والميزان ورؤية الله عز وجل في الآخرة. وكذلك حديث الذباب وقتله وان في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء وأنه يقدم الذي فيه الداء... وما أشبه ذلك من الأحاديث الصحيحة المنقولة نقل العدول
ربما قدحوا في الرواة من الصحابة والتابعين رضي الله تعالى عنهم - وحاشاهم - وفيمن اتفق الأئمة من المحدثين على عدالتهم وإمامتهم.كل ذلك ليردوا به على من خالفهم في المذهب وربما ردوا فتاويهم وقبحوها في أسماع العامة لينفروا الأمة عن اتباع السنة وأهلها... قال عمر بن النضر سئل عمرو بن عبيد يوما عن شيء - وأنا عنده - فأجاب فيه ,فقلت له: ليس هكذا يقول أصحابنا. قال: ومن أصحابك لا أبا لك؟ قلت: أيوب ويونس وابن عون والتيمى.قال: أولئك أنجاس أرجال أموات غير أحياء)
قلت: تدبر كلام الشاطبي جيدا, وأعد قراءته مرارا, ثم غيِّر اسم عمرو بن عبيد بعدنان إبراهيم وأسماء أولئك الأئمة بأسماء علماء أهل الحديث في زماننا ...واستحضر سخريته منهم ...وتذكر أنني رددت على عدنان في استشكاله حديث الذبابة ..ولك الآن فرصة معرفة حقيقة عدنان...وإلى أي مدرسة فكرية ينتمي...ودع عنك كما قلت سابقا تمسحه بالانتساب إلى الأشاعرة...فالأمر وراء ذلك بالتأكيد! فإن فكر الاعتزال لم يمت وإن مات مؤسسوه ...وقد ابتلي البناء الفكري الاعتزالي بالانحلال عبر التاريخ لكنه وجد مضيفين لبعض أصوله كما وقع مع الفكر الأشعري (فإن طريقة العرض الاعتزالية قد عاشت من خلال المنهج الأشعري) وانظر لزاما مصدر هذا الاقتباس وهو كتاب (المعتزلة بين القديم والحديث)
أما بعد فقد لقد حشر الأستاذ عدنان إبراهيم نفسه في مضيق لم يتجاوز على مر التاريخ إلا بعلم وعدل..وهما أمران لا يصدران عن عدنان...إلا مرة ثم مرة. ولست أقصد بالعلم الفلسفة .ولا علم الكلام...ولا كثرة المعلومات..ولا أن يكون عنده مسكة من ذكاء..بل علم الحديث وملكة الاستنباط على أصوله وقواعده..بالجمع بين المتعارضات..والتوفيق بين المختلفات ...والانتقال من التوقف عند ظواهرها إلى كشف بواطنها...والخوض في صحيح البخاري لا يكون إلا لمن تأهل وتمهل...وآتاه الله نصيبا من علوم الحديث خصوصا علم العلل... وقدرا من علوم الاستنباط خصوصا علم التعليل..وقد تتبعت عدنان إبراهيم في خطبة له...حشد فيها جملة من الشبهات...وأثار فيها أمام عوام الناس في الشريعة جملة من الاستشكلات...لم يكن فيها بالبدع من المتعدين المعتدين..فهو كما قلت...مجتر لمحاولات أسلافه ...فليس له في كل هذا إلا سحر العرض ...وشعوذة الخطاب. ولا ينطلي على عاقل متأدب ما يزعمه عدنان من نقد الحديث من جهة متنه على طريقة الاعتزال..موهما أن أهل الحديث عن ذلك كله في انعزال ..بل هم رواده وفرسانه...وأهله وأصحابه..وقد ألف في بيان أحقية أهل الحديث به مؤلفات ..من أقربها إلى طلبة العلم كتاب(نقد المنقول) للعلامة ابن القيم رحمه الله تعالى ... وأما زعمه هو وأمثاله أنهم يطمئنون إلى العقل في نقد تلك الأحاديث فاغترار وسذاجة ..زيقول العلامة مصطفى السباعي رحمه الله في كتابه العجيب الذي كان نصحني به شيخنا محمد بوخبزة حفظه الله قديما (السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي/ص258/قواعد العلماء في نقد المتن/دار السلام) : (أي عقل يردون أن يحكموه ويعطوه من السلطة أكثر مما أعطاه علماؤنا في قواعدهم الدقيقة, ليس عندنا عقل واحد نقيس به الأمور, بل العقول متفاوتة , والمقاييس مختلفة,فما لا يعقله ولا يفهمه, قد يراه آخر معقولا مفهوما
وكل يدعي وصلا بليلى***وليلى لا تقر لهم بذاكا
ففتح الباب في نقد المتن بناء على حكم العقل الذي لا نعرف له ضابطاً، والسير في ذلك بخطى واسعة على حسب رأي الناقد وهواه، أو اشتباهه الناشئ في الغالب عن قلة اطلاع، أو قصر نظر، أو غفلة عن حقائق أخرى، إن فتح الباب على مصراعيه لمثل هؤلاء الناقدين، يؤدي إلى فوضى لا يعلم إلا الله منتهاها، وإلى أن تكون السُنّةُ الصحيحة غير مستقرة البنيان ولا ثابتة الدعائم، ففلان ينفي هذا الحديث، وفلان يثبته، وفلان يتوقف فيه، كل ذلك لأن عقولهم كانت مختلفة في الحُكْمِ والرأي والثقافة والعمق، فكيف يجوز هذا؟. ثم أليس لنا أكبر عبرة فيما وقع فيه مؤلف ( فجر الإسلام ) من أخطاء بشعة حين أراد أن يسير في هذا الاتجاه، فَكذَّبَ ما لا مجال لتكذيبه، وحكم بوضع ما قامت الأدلة والشواهد على صحته!).
ويقصد بمؤلف (فجر الإسلام ) أحمد أمين الذي لم يخف تحسره على اختفاء فرقة المعتزلة بعبارة مثيرة إذ يقول في (ضحى الإسلام/3/207/ ): (من أكبر مصائب المسلمين موت المعتزلة) ولك أن تضع علامات استفهام وتعجب كثيرة وكبيرة على هذا التصريح الخطير!!!!
بل قد شهد أحمد أمين باستمرار وجود الفكر الاعتزالي إلى الآن في ما يسمى بالنهضة الحديثة والتي ينسب الناس إليها عدنان إبراهيم...! فإنه قال في (الضحى/3/207/الطبعة السابعة) : (فلما ضعف شأن المعتزلة بعد المحنة ظل المسلمون تحت تأثير حزب المحافظين نحوا من ألف سنة,حتى جاءت النهضة الحديثة,وفي الواقع أن فيها لونا من ألوان الاعتزال ).ويقصد بالمحافظين الفقهاء وأهل الحديث..وها قد شهد شاهد من أهلها وكفى.
ويكفي ما سطرته هنا ..وإن كان الأمر يحتاج إلى بيان أبسط وأوسع ولكن اللبيب بالإشارة يعي ويفهم...ولعلني أجعل ذلك في مقال آخر إن شاء الله تعالى.
وقد لاح لي أن يكون لي مع عدنان في موقفه من صحيح البخاري خاصة وقفات بقدر ما أثاره من شبهات واستشكالات, أعرضها في حلقات سميتها (كشف المتواري من تعدي عدنان إبراهيم على صحيح البخاري) والله المستعان.